رسائل فى الوعي : الرسالة الثالثة
مخاطر التطبيع على الإمارات والقضية الفلسطينية
للتطبيع أخطار ومهددات كبيرة وعديدة، منها تهديدات أمنية واقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية. كما تنعكس هذه المخاطر على صعيد الشعب الإماراتي وعلى صعيد القضية الفلسطينية نفسها.
فيما يتعلق بالمشهد الإماراتي، فإن العلاقات والتطبيع مع إسرائيل سوف يمنحها موطئ قدم في الدولة وفي الخليج عموماً، ما يعني أن السلع الإسرائيلية سوف تتدفق إلى الإمارات والمنطقة، وما يعنيه ذلك من انتعاش للصناعات والصادرات الإسرائيلية على حساب المنتج الوطني والمنتجات الخليجية الأخرى. وليس أدل على هذا المهدد، أكثر من أول قرار اتخذته الجامعة العربية بالمقاطعة نهاية عام 1945، ونص القرار على: "أن المنتوجات والمصنوعات اليهودية في فلسطين غير مرغوب بها في البلاد العربية"، واعتبر أن "إباحة دخولها إلى البلاد العربية يؤدي إلى تحقيق الأغراض السياسية الصهيونية".
والتزاماً بمسؤولياتها القومية، وبعد وقت قصير من تشكيل دولة الاتحاد، أصدر رئيس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، قانون رقم (15) لسنة 1972 بشأن مقاطعة إسرائيل، استجابة لقرار الجامعة أعلاه. وحظر القانون الاتحادي أي تعامل تجاري مباشر أو غير مباشر مع دولة الاحتلال، قاطعاً بذلك الطريق على إسرائيل من تحقيق مخططاتها واختراق دولة الإمارات تحت أي مسمى أو مسوغ كان.
وفي إلغاء حكومة الإمارات، مؤخراً هذا القانون، فإنها تكون بذلك قد سمحت بتدفق الإسرائيليين إلى الإمارات، زائرين ومقيمين ومستثمرين. ومن المعروف أن للإسرائيليين قدرة مالية كبيرة تمكنهم من الاستيلاء على الأراضي والعقارات، ما يمنحهم ذلك فرصة للتحكم في مفاصل الثروة وتجارة الذهب والألماس. فضلاً عن دخولهم إلى أسواق المال كمضاربين لا كمستثمرين، كما هو معروف عنهم.
وسيعمل الإسرائيليون الصهاينة على النفاذ والتغلغل فى البورصة لتسيطر عليها وتتلاعب بها حيثما تريد. وقد أثبتت التجارب أن أسواق المال والبورصة هي أحد المفاتيح المهمة فى اقتصاد الدول، والتي يمكن من خلال أن تدمر إسرائيل اقتصاد دولة الإمارات، مثلما حصل لدول جنوب شرق آسيا عام 1997- 1999 وبالأخص ماليزيا، عندما تعرضت أسواقهم المالية للعبث.
ويرتبط بالخطر الأمني والسياسي، أن الاتفاق المشؤوم مع إسرائيل فتح شهية إيران للتدخل في شؤون دولة الإمارات أكثر من أي وقت مضى، كونها تزعم أنها تحمي أمنها القومي من التواجد الإسرائيلي على تخومها في الخليج. وسوف تستغل طهران هذه الذريعة لإحداث قلاقل أمنية من جهة، واستغلال وجود أعداد كبيرة من الإيرانيين في الدولة لإطلاق صراع بين الإسرائيليين والإيرانيين على أرض الإمارات من جهة ثانية، يكون ضحيته شعب الإمارات والاستقرار أولاً وأخيراً.
ويشكل هذا التطبيع تهديداً ثقافياً واجتماعياً وتنشئة اجتماعية على أجيال الإمارات القادمة التي سوف تخضع لمناهج معدلة، واعلام موجه وتعايش مفروض على الإماراتيين مع ثقافة إسرائيلية مختلفة تماماً، ما ينتج عنه في النهاية جيل من الإماراتيين غريب عن بيئته الطبيعية منفصل عن هويته الخليجية ومتنافر عن عمقه العربي ومتباعد عن عقيدته الإسلامية التي توفر له الأساس الواضح في التعامل مع أي قوة غاشمة محتلة. وسيؤدي كل ذلك إلى اجتثاث لكل معاني الانتماء إلى الأمة الإسلامية وعقيدتها ومقدساتها وقضاياها الحرة والعادلة، وتمييع مفاهيم الولاء والبراء مع أعداء الأمة المغتصبين لأرضها ومقدساتها .
وفي المجال الأمني والعكسري، فإن التعاون مع إسرائيل سوف يمنحها نافذة واسعة للاطلاع على قدرات دولة الإمارات ومقدراتها وأسرار الدولة العسكرية والأمنية، ما يجعلها مكشوفة تماماً أمام تل أبيب.
أما المخاطر المؤكدة جراء تطبيع حكومة الإمارات وإسرائيل على صعيد القضية الفلسطينية، فهي تتمثل بإضعاف الموقف الفلسطيني التفاوضي على الأقل. إذ يعتبر التطبيع ورقة مساومة رابحة بيد الفلسطينيين لإرغام إسرائيل على منحهم حقوقهم. لذلك، تفاخر نتنياهو وهو يتحدث عن "السلام" مع الإمارات، قائلا: انتهت معادلة الأرض مقابل السلام، فقط السلام مقابل السلام هو ما أنجزناه مع الإمارات دون أن نضطر لإخلاء المستوطنات ولا وقف الاستيطان. وإضافة إلى ذلك، فإن من مخاطر الاتفاقية بين الإمارات وإسرائيل، أنها تأتي في سياق بناء تحالف إقليمي في المنطقة تكون إسرائيل جزء رئيساً فيه، وتعتبر تجاوزاً فجاً للحد الأدنى الذي شكل الإجماع العربي.
كما أن التطبيع يسهم في إضعاف الدول العربية ودفعها على القبول "بالأمر الواقع" والاستسلام التام، مقابل تقدم دولة الاحتلال وتوسعها سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما يُسرّع في تشكيل "الشرق الأوسط الجديد" الذي تكون فيه السيطرة لإسرائيل تماماً، وتحقق مبتغاها بتشكيل "إسرائيل الكبرى" اقتصادياً على الأقل.