شهد يوم 13 أغسطس الماضي الإعلان عن إبرام اتفاقية "سلام" بين العدو الصهيوني ودولة الامارات، لتكون مدخلاً لتطبيع العلاقات بين أبوظبي وإسرائيل التي تغتصب أرض فلسطين وأراضٍ عربية أخرى، وفي هذه الوقفة، نلقى نظرة معمقة على مفهوم التطبيع، إلى جانب التعرف على الموقف الشرعي من التطبيع مع العدو الصهيوني، لنخصص وقفات أخرى قادمة للحديث عن مخاطر التطبيع، وما جناه المطبعون على بلادهم في مصر والأردن.
فالتطبيع لغةً، هو مصدر الفعل "طبَّع"، ويقال: دَعَا إِلى تَطْبِيعِ العَلاَقَاتِ مَعَ العَدُوِّ، أي دعا إِلى جَعْلِهَا عَادِيَةً وطبيعية دون أية عوائق وعراقيل لأي سبب كان.
أما التطبيع اصطلاحاً، فقد قالت موسوعة "ويكيبيديا": تطبيع العلاقات مصطلح سياسي يشير إلى "جعل العلاقات طبيعية" بعد فترة من التوتر أو القطيعة بين الدول لأي سببٍ كان، حيث تعود العلاقة طبيعية وكأنه لم يكن هناك خلاف أو قطيعة سابقة.
وأوضحت الموسوعة، أن أشكال التطبيع تتنوع، ما بين "البدء بمشاريع واتفاقيات ومبادرات مشتركة بين الطرفين"، وبين "إبراز الجهود الثقافية والفنية والعلمية بشكل متبادل."
وعلى ضوء هذا التعريف، فإن التطبيع يعني تحديداً، بناء علاقات رسمية وغير رسمية، سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية واستخباراتية مع العدو. وفي حالة التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب، فإنه يعني التسليم بحق الكيان الصهيوني في الأرض العربية بفلسطين، وبحقه في بناء المستوطنات، وحقه في تهجير الفلسطينيين، وحقه في تدمير القرى والمدن العربية. وعلى هذا النحو، يكون التطبيع الوجه الآخر للاستسلام والرضا بأبشع مراتب المذلة والهوان والتنازل عن الكرامة وعن الحقوق العربية.
والتطبيع يشكل نهجاً وأداءً وعقلية جوهرها كسر حاجز العداء مع العدو الصهيوني بأشكالٍ مختلفة، سواء كانت ثقافية أو إعلامية أو سياسية أو اقتصادية أو سياحية أو دينية أو أمنية أو إستراتيجية أو غيرها.
وعليه، فإن جوهر وهدف التطبيع يسعى إلى جعل الوجود اليهودي العنصري في فلسطين أمراً طبيعياً، يحظى بالقبول والتسليم به، فلا يستدعي المقاومة والصراع الوجودي معه. ويصبح هنا، التفريط والخذلان والخيانة والطعن في الظهر، من أجل التعامل مع الكيان الصهيوني، كأنه أمرٌ طبيعي وعادي، والدعوة إلى المقاومة "إرهاب" ودعم الشعب الفلسطيني "تمويل للإرهاب".
إن تجريم دعم المقاومة واعتباره إرهاباً، يعني أن هذا الوصف ينطبق على غالبية الشعب الإماراتي بدءاً بالآباء المؤسسين وحتى بعض الحكام الحاليين، الذين استقبلوا القيادات التاريخية للثورة الفلسطينية من ياسر عرفات إلى الشيخ أحمد ياسين.
وبتجريم دعم المقاومة ووسمها بالإرهاب، سوف تُنتزع من الشعب الفلسطيني حق وواجب مقاومة دولة الاحتلال من جهة، وفي نفس الوقت، تمنح الاحتلال الغطاء العربي والقانوني لمواصلة قتل الشعب الفلسطيني كونه سيتم الاعتراف بأنها تحارب "الإرهاب". وبذلك يصبح المقاوم جانياً والجلاد هو الضحية، بل وستحظى إسرائيل بالإشادة والدعم والتنسيق والتعاون الأمني والاستخباري من جانب المطبعين كونها تحارب الإرهاب من وجهة نظرهم، ولطالما طرحت الإمارات ودول عربية وخليجية نفسها على أنها "محارب شرس" ضد الإرهاب. وفي هذه الحالة، سينحاز المطبعون إلى صف الاحتلال الإسرائيلي ويزعمون أحقيته في "الدفاع عن نفسه"، مقابل تجريم المقاومة التي تدافع عن شعبها وأرضها ومقدسات المسلمين.
وفي المحصلة النهائية، يستهدف المطبعون إحداث انقلاب في وعي الأمة واختطافها ذهنياً لصالح العدو الغاصب، حين تتبدل المفاهيم ويتحول العدو إلى صديق والصديق إلى عدو، وبهذا سنتنكر للتاريخ والحقوق العربية في فلسطين. كما يستهدف إعادة صياغة عقولنا وتفكيرنا من أجل تقبل وجود "العدو الإسرائيلي" ليصبح أمرًا طبيعيًّا، بما يعنى تخلي أمتنا العربية والاسلامية عن القضية الفلسطينية وعن القدس والحرم القدسي مسرى الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم.
يتبع.. الموقف الشرعي من التطبيع